تقديم إشكالي
لم يساير النظام الملكي في فرنسا خلال القرن 18م التحولات التي عرفها المجتمع الفرنسي، مما أدى إلى قيام الثورة الفرنسية.
- فما هي عوامل قيام هذه الثورة؟
- وما هي المراحل التي مرت بها؟
- وما هي نتائجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟
تعددت عوامل قيام الثورة الفرنسية
وضعية المجتمع الفرنسي قبيل الثورة
قام المجتمع الفرنسي على مبدأ اللا مساواة بين الفرنسيين أمام
القانون، مما أدى إلى وجود فئتين بالمجتمع الفرنسي، فئة مستفيدة ممثلة في
هيأة النبلاء التي كانت تمثل ما بين %1 و%1.5 من الفرنسيين تمتعت بالعديد
من الامتيازات، فلها أراضي واسعة ومعفية من الضرائب، وكانت تشغل المناصب
العليا في الإدارة والجيش، وحق فرض الضرائب على الفلاحين، كما كانت تتلقى
أجورا من الملك، وفئة الإكليروس (رجال الدين)، حيث مارست هذه الفئة تأثيرا
روحيا على الفرنسيين، استحوذت على حوالي %10 من الأراضي الفلاحية الفرنسية،
تمتعت بعدة حقوق كحق أداء ضرائب أقل للدولة، أما الفئة المتضررة فتمثلت في
الهيأة الثالثة التي تضم باقي أفراد الشعب الفرنسي أي حوالي %96من
المجتمع، وقد عانت من الظلم الاجتماعي، فبالإضافة إلى ما كانت تؤديه من
حقوق إلى الكنيسة والنبلاء ناءت تحت ثقل الضرائب التي تدفعها إلى الدولة
بأشكال مختلفة، وتتكون من العمال والحرفيين والفلاحين بالإضافة إلى
البرجوازية التي كانت تعاني من التهميش المتمثل في عدم مشاركتها في تسيير
شؤون البلاد، وقد تأثرت هذه الفئات بأفكار عصر الأنوار خاصة البورجوازية
الناشئة الأكثر طموحا للانخراط في الحياة السياسية لتأمين مصالحها
الاقتصادية.
أثر الأزمة الاقتصادية في نهاية القرن 18م على قيام الثورة الفرنسية
تعرض الاقتصاد الفرنسي للتدهور ابتداء من سنة 1785م، حيث
تمثلت الأزمة الاقتصادية في تضرر البوادي وتراجع المحاصيل الزراعية بسبب
الجفاف، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وانتشار المجاعة، فتراجعت أرباح
الفلاحين وصعب عليهم أداء الضرائب، في وقت ظلت فيه الأجور منخفضة، الأمر
الذي نتج عنه تقليص موارد الفلاحين وجعلت الكثير منهم يعيش في ظروف صعبة،
وعرفت الصناعة بدورها أزمة كبيرة أسهمت فيها المعاهدة الفرنسية الانجليزية
التي أُبرمت سنة 1786م وفتحت أسواق فرنسا أمام المنتجات الصناعية
الانجليزية، وانعكست هذه الأوضاع سلبا على ميزانية الدولة التي عرفت عجزا
متواصلا ساهم في ازدياد التوتر الاجتماعي خاصة بعد أن قرر الملك لويس
السادس عشر فرض ضرائب جديدة لحل المشكل المالي، مما أدى إلى رفضها من طرف
الهيأة الثالثة فاندلعت الثورة.
دور العوامل السياسية في قيام الثورة الفرنسية
ساهم التقسيم الإداري في مشاكل سياسية، حيث تم تقسيم التراب
الفرنسي إلى عدة ولايات ومقاطعات، وكان من مساوئ هذا التقسيم وجود حدود بين
المناطق والجهات مع استفادة جهات دون أخرى، ما أدى إلى حكم قار ودائم
وغياب إدارة مشتركة بين الجهات، حيث خضعت فرنسا منذ القرن17م لحكم ملكي
مطلق يتمتع فيه الملك بسلطات واسعة مستمدة من الحق الإلهي، وهذا النمط من
الحكم كان يتعارض مع أفكار فلاسفة عصر الأنوار التي تدعو إلى فصل السلط،
ومشاركة الشعب في تسيير شؤون الحكم.
محاولات الملك لويس السادس عشر حل الأزمة السياسية
حاول الملك لويس السادس عشر إيجاد حل للأزمة عن طريق نهج
سياسة الإصلاحات من أجل تدعيم موارد الدولة بإقامة ضرائب جديدة وتعميمها
على الجميع بما فيهم النبلاء، الشيء الذي رفع من التوتر بين الفئات المكونة
للمجتمع، بعد ذلك عين الملك مراقبين عامين لتسيير الشؤون المالية للحد من
الأزمة التي تعرفها البلاد، فقدم "تورغو" للملك برنامجا إصلاحيا ارتكز على
ثلاث نقط أساسية، وهي: "لا إفلاس، لا زيادة في الضرائب، ولا اقتراض"، لكن
الهيئتين الأولى والثانية رفضتا هذه الإصلاحات، وامتنع النبلاء والإكليروس
عن أداء الضرائب مما افشل إصلاحات تورغو، مما أدى إلى رفع موجة الاضطرابات
في مختلف الأقاليم، فكانت النتيجة دعوة الملك لويس السادس عشر مجلس
”الهيئات العامة“ إلى الانعقاد فوجدت الفئات المتضررة من هذا المجلس فرصة
للتعبير عن مطالبها في ما عرف بـ ”دفاتر المظالم“، وقد أفرزت تلك التطورات
تزايد أفواج من العاطلين والمستائين من الوضع الاجتماعي والسياسي مما عجل
باندلاع الثورة.
مرت الثورة الفرنسية بثلاث مراحل أساسية
المرحلة الأولى (مرحلة الملكية الدستورية): 14 يوليو 1789 إلى 10 غشت 1792
تميزت هذه المرحلة بقيام ممثلي الهيئة الثالثة بتأسيس جمعية
وطنية يوم 17 يونيو 1789م كبديل لمجلس الهيئات العامة، وقد ساند سكان باريس
هذه الجمعية بتنظيم انتفاضة عامة واحتلال سجن لاباستي رمز الاستبداد يوم
14 يوليو 1789م، فاضطر الملك لويس 16 بعد ذلك إلى الاعتراف بالجمعية
الوطنية، وبعد ذلك ألغيت الامتيازات الفيودالية وتم إصدار إعلان حقوق
الإنسان والمواطن يوم 26 غشت 1789م، ووضع أول دستور للبلاد يوم 3 شتنبر
1791م، فدخلت البلاد عهد الملكية الدستورية.
المرحلة الثانية (النظام الجمهوري وتصاعد التيارات الثورية): 10 غشت 1792 إلى 27 يوليو 1794
تميزت هذه المرحلة بظهور خلافات داخل الأوساط الثورية بين
ممثلي البرجوازية المؤيدين للملكية الدستورية والراغبين في إيقاف المد
الثوري وتحقيق الاستقرار، وممثلي الأوساط الشعبية الراغبين في تصعيد الثورة
وتحقيق إصلاحات جذرية، وقد تمكنت فعلا الأوساط الشعبية من إسقاط الملكية
الدستورية وإقامة نظام جمهوري يوم 10 غشت 1792م بزعامة روبسبيير، وتميزت
هذه الفترة بالتشدد حيث تم إعدام الملك لويس 16 وعدد مهم من الشخصيات
البرجوازية المعتدلة، وسادت فرنسا حالة من الرعب.
المرحلة الثالثة (عودة البرجوازية المعتدلة إلى الحكم): 27 يوليو 1794 إلى 9 نونبر 1799
تميزت هذه المرحلة بتصاعد موجة الإعدامات فتخوفت الأوساط
المعتدلة وعملت على تصفية زعيم الثوريين روبيسبيير وعدد من أنصاره ثم
الاستيلاء على الحكم يوم 27 يوليو 1794، وخلال هذه المرحلة حافظت
البرجوازية على النظام الجمهوري لكنها وضعت دستورا جديدا لصالحها، واستعانت
بالجيش لضبط الأمن، ولحماية مصالحها سعت كذلك إلى إقامة نظام سياسي قوي
فشجعت نابليون بونابرت على القيام بانقلاب عسكري يوم 10 نونبر 1799م وتعويض
النظام الجمهوري بنظام إمبراطوري.
خلفت الثورة الفرنسية نتائج متعددة
النتائج السياسية
عوضت الثورة النظام السياسي القديم بنظام جمهوري أقر مبادئ
جديدة كفصل الدين عن الدولة، وحرية التعبير، وإقامة المساواة المدنية
وتكافؤ الفرص.
النتائج الاقتصادية
تم القضاء على النظام الإقطاعي الفيودالي وتم إقرار نظام
رأسمالي ليبرالي يرتكز على الحرية والملكية الخاصة والمبادرة الفردية،
وهكذا ألغيت الضرائب الفيودالية وعوضت بضرائب جديدة تقاس على أساس الثروة
والمدخول، وتفرض على جميع فئات المجتمع، كما تم اعتماد مكاييل ومقاييس
جديدة وموحدة كاللتر والمتر وغيرها.
النتائج الاجتماعية
قضت الثورة على العلاقات الاجتماعية القديمة بإلغاء الحقوق
الفيودالية وامتيازات النبلاء ومصادرة ممتلكات الكنيسة، كما أقرت مبدأي
إجبارية ومجانية التعليم كوسيلة لضمان تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية،
كما عملت على توحيد اللغة بين مختلف جهات فرنسا وتعميمها لدى السكان.
خاتمة
ساهم اندلاع الثورة الفرنسية في تغيرات هامة مست فرنسا وعدة
دول أوربية، كما أن هذه الفترة شهدت انطلاق الثورة الصناعية انطلاقا من
إنجلترا.
إرسال تعليق