تقديم إشكالي
تزامن امتداد النفوذ العثماني بالضفة الجنوبية مع ظهور
السعديين بالمغرب، وارتبط ذلك بتحولات سياسية وعسكرية فرضت على العالم
الإسلامي ضرورة التحرك للحفاظ على كيانه السياسي، والدفاع عن كيانه الترابي
بكل الوسائل الممكنة.
- فما هي الوسائل الإدارية والعسكرية التي عملت على تحقيق هذه الغاية؟
- وكيف أصبح الوضع الديني والاجتماعي في ظل هذا الظرف خلال القرنين 15و 16م؟
طبيعة النظام السياسي والإداري والعسكري للإمبراطورية العثمانية خلال القرنين 15و 16م
اعتمد العثمانيون على جهاز إداري مركزي ومحلي
الجهاز الإداري المركزي
تشكلت الإدارة المركزية من العناصر الآتية:
- الباب العالي: وهو أعلى سلطة، تتجسد في قوة السلطان المستمدة من قوة جيشه، وهذا اللقب كان يطلق على الحكومة العثمانية، ويعني في الأصل "قصر السلطان"، وقد لقب السلطان العثماني بعدة ألقاب "البرين "و" البحرين" حاميا الحرمين الشريفين، وكانت له سلطة مطلقة تنفيذية وتشريعية وقضائية، باستثناء الأمور الإسلامية.
- الصدر الأعظم: أعلى منصب بعد السلطان، وهو رئيس الوزراء، ورئيس الديوان، يعين الجيش وجميع المناصب الإدارية المركزية أو الإقليمية.
- الدفتر دار: المكلف بالشؤون المالية وحساب مواردها ومصاريفها، وهو يلي الصدر الأعظم، يتمتع بحق تقديم العرائض المالية
- للسلطان.
- الكاهية باشا: الموظف العسكري الذي يتكلف بتسيير الشؤون العسكرية للإمبراطورية.
- الشاوس باشا: موظف ينفذ الأحكام القضائية التي يصدرها القضاة.
- رئيس الكتاب: هو كاتب السلطان مهمته جمع القوانين.
- مجلس الديوان: يشرف على تسيير الشؤون العامة للدولة، وهو أهم مجلس يقدم اقتراحات للسلطان أو للصدر الأعظم.
- شيخ الإسلام: إصلاح الفتاوى الشرعية.
كان للانتماء المجالي تأثير كبير على وضعية ومكانة صاحب منصب
ما، ويتمثل ذلك في تراتبية أجهزة الدولة العثمانية، وفيما يخص بروتوكول
الاستقبال، فقاضي الرميلي كان أقرب وأعلى مكانة للسلطان من قاضي أناضول،
هذان القاضيان أول من يدخل على السلطان، يليهما الوزير الأعظم والثاني
والثالث ثم رئيس الكتاب ورئيس بيت المال، ولا يرى غيرهم.
الجهاز الإداري المحلي في الإمبراطورية العثمانية
كانت الدولة العثمانية تنقسم إلى مقاطعات (سناجق)، وعلى رأس
كل مقاطعة وال "سنجق بك" له اختصاصات عسكرية وإدارية يساعده ديوان وصوباشي
(وهو ضابط أمن بصفة أساسية)، وبعد اتساع أطراف الإمبراطورية أصبحت تضم
ألوية جديدة كان من الصعب ربطها بالعاصمة، فاضطرت الدولة إلى ضم عدد منها
في ولاية واحدة، وعين على كل رأس ولاية أمير أمراء الألوية (بكلر بك).
ساهم الجيش في تركيز نفوذ الدولة العثمانية
العناصر المكونة للجهاز العسكري في الإمبراطورية
كانت عناصر الإنكشارية تتلقى تربية إسلامية، وكان هناك قانون
داخلي نظم علاقات هذه العناصر مع بعضها البعض، ومنع الزواج طيلة مدة الخدمة
العسكرية، وفرض عليها الطاعة المطلقة، مما جعل عناصر هذا الجيش تفقد
روابطها الأصلية دون أن تستطيع اكتساب روابط جديدة، مما أحيا لديها روح
الجماعة المهنية، وروح الولاء لعرش السلطان، كما كانت عناصر الإنكشارية
تتكون من أسرى الحرب، وأصبحت الإنكشارية في نهاية القرن 15م من أهم الفيالق
العسكرية التي تسترد إليها الدولة، وقد أبان هذا الجيش في مرحلة قوة
الدولة العثمانية عن انضباط كبير وقوة دفاعية أكسبتها هيبة كبيرة في الداخل
والخارج، ومن وظائف السباهية أنهم كانوا يشكلون ما يسمى بالتيمار العسكري،
وهو نظام يمكن جيش السباهية (الخيالة) من إدارة الأراضي الزراعية
(التيمارات) التي تسلم لهم مقابل خدماتهم في الجيش، ويقومون أيضا بجمع
الضرائب من الفلاحين، ولا يتلقون أجورهم من الخزينة العثمانية، والسباهية
كانوا أكثر عددا ويتوفرون على امتيازات اجتماعية أحسن من الإنكشارية،
فالجيش كان يقوم بأدوار تتمثل في المحافظة على الأرض والاستقرار وقمع
الثورات.
التجهيزات والمعدات العسكرية العثمانية
استخدم الجيش العثماني السلاح الناري منذ ظهوره وانتصرت فرقته
المدفعية، كما انتصر بقوته العسكرية، إلا أنه تلقى هزيمة من طرف البنادقة
في غاليبولي سنة 1416م، الشيء الذي حملهم على التفكير جديا في إنشاء أسطول
بحري، وتجهيزه تجهيزا محكما من أجل حماية شواطئهم وفرض سيادتهم في البحر
الأسود والبحر المتوسط، ومواجهة القرصنة، ودعم حركة الجهاد البحري ضد
المسيحيين.
معرفة طبيعة الدولة والنظم السياسية والإدارية في المغرب خلال العهد السعدي خلال القرن 16م
طبيعة التنظيم السياسي والإداري بالمغرب خلال العهد السعدي
في المجال السياسي
تميز المغرب خلال حكم الوطاسيين بالتجرئة والتفكك السياسي، إذ
لم يعد نفوذ الدولة يتجاوز القسم الشمالي ما بين واد أم الربيع وطنجة، مما
أثار قبائل ضدها، هذا بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية التي عرفتها المرحلة،
حيث توالت سنوات الجفاف والمجاعة، ثم تفشي داء الطاعون، فانقسم المغرب إلى
عدة إمارات، وقد شن الإيبيريون (البرتغاليون والإسبان) هجمة استعمارية على
المغرب شملت السواحل الأطلسية والمتوسطية احتلت على إثرها سبتة من أجل
السيطرة على التجارة الدولية للمواد النفيسة واستغلال السودان، كما شكلت
عبدة ودكالة المصدر الأساسي للتزود بالحبوب، في خضم هذه الأوضاع تأسست دولة
السعديين، التي وضعت حدا للأطماع العثمانية، وانتصرت على البرتغاليين في
معركة وادي المخازن سنة 1578م، وقامت بضم بلاد السودان (إفريقيا السوداء
خاصة الغربية) في عهد السلطان أحمد المنصور الذهبي.
في المجال الإداري المركزي
تشكلت الإدارة المركزية لدولة السعديين من العناصر الآتية:
- السلطان: الذي كان يجمع بين السلطتين الدينية والدنيوية.
- الحاجب: المسؤول الأول عن الحكومة وينظم الاتصال بين السلطان والولايات.
- صاحب المظالم: يتلقى الشكايات ويرفعها إلى السلطان للبث فيها.
- صاحب خزائن الدار: المشرف على أموال الدولة بقصر السلطان.
- كاتب السر: يحافظ على سر الدولة.
كان السلطان يترأس الجهاز الإداري، وحمل كل ألقاب السلطة
اعتبارا للأصل العربي السعدي، ونسبهم الشريف، واتخذ المغرب المركزي في عهد
أحمد المنصور شكل جهاز سياسي إداري قوي شمل إلى جانب السلطان عدة مناصب
عليا.
أهم المناصب في الإدارة الإقليمية
- خليفة السلطان: من أبناء الأسرة الملكية، الوالي أو العامل في الإقليم.
- القاضي: يصدر الأحكام
- عمال الخراج: يجمعون أعشار المنتوجات الفلاحية.
- شيخ القبيلة: يسهر على أمن الطرق بالمنطقة.
- صاحب الشرطة: يحافظ على الأمن، و ينفذ العقوبات.
- أمناء الحرف: يتدخلون للتحك مي من أجل جل النزاعات.
بالنسبة للإدارة المحلية أو الإقليمية فقد خضعت بدورها لتنظيم
يدل على تطور واستقرار مؤسسات الدولة، وعن حرصها على بسط نفوذها، فتم
توزيع البلاد إلى 12 ولاية أو إقليم، أسندت إدارتها لعناصر تحظى بثقة
المخزن.
إبراز أهمية المؤسسات العسكرية في الدولة السعدية خلال القرن 16م
تنوعت العناصر المكونة للجيش السعدي والتي تمثلت في أفراد
القبائل المغربية وخاصة قبائل سوس، بالإضافة إلى العرب ذوي الأصول
الأندلسية (الموريسكيون)، والأتراك، والأوربيين، كما أنشأ السلطان أحمد
المنصور الأسطول الحربي، وعمل على تحصين بعض الموانئ خاصة العرائش والرباط
وسلا، وقد تعددت مداخيل الدولة السعدية في عهد أحمد المنصور، إذ شملت
الضرائب، والرسوم الجمركية، وعائدات تجارة القوافل، ومصانع السكر، واستغلال
المناجم، بالإضافة إلى غنائم معركة وادي المخازن.
طبيعة الأوضاع الدينية والاجتماعية في العالم الإسلامي خلال القرنين 15 و16م
الأوضاع الدينية والاجتماعية في الإمبراطورية العثمانية
كانت الإمبراطورية العثمانية تجمع بين شعوب متعددة الأعراق
والديانات والثقافات، وتتكون من ولايات لكل منها تراثها التاريخي المختلف،
مما فرض عليها ضرورة تبني التسامح الديني، وعدم الإقصاء، وحماية الاستقلال،
وتمثل هذا التنوع الثقافي في:
- انتشار الديانة المسيحية الأورتودكسية بعد ضم القسطنطينية.
- المذاهب السائدة في الإمبراطورية هي المذهب السني مما يفسر خلافهم المستمر مع الصفويين الشيعة.
- انتشار المذهب الحنفي بشكل كبير داخل الإمبراطورية وتهميش المذهب المالكي.
- تعدد الطرق الصوفية رغم معارضة فقهاء السنة لها نظرا لمساهمتها في إحياء الحماس الديني إبان أول مراحل التوسع العثماني وخاصة فرقة الدراويش، على العموم كانت لدوي المناصب الدينية امتيازات عديدة: إعفاأت من الضرائب، مناصب مهمة، أملاك وضيعات ...
- شكلت الديانة الإسلامية أهم ديانة لأغلب السكان، وحظي رجال الدين بمكانة هامة مما أدى إلى خضوعهم للهرمية، المفتي الأكبر أو شيخ الإسلام، قاضيا (الرملي والأناضول) ...
مظاهر الأوضاع الدينية والاجتماعية في المغرب السعدي خلال القرن 16م
الأوضاع الدينية
لعبت الزوايا دورا كبيرا كمؤسسة دينية اجتماعية: نشر العلم
والمعرفة، مركز للصلاة والذكر والأدعية، تقوم بدور تربوي مهم في الأوساط
الشعبية، ومأوى للمحتاجين وعابري السبيل، كما تعتبر الزاوية الجزولية من
أهم الزوايا خلال هذه المرحلة وعنها تفرقت أهم الزوايا.
الأوضاع الاجتماعية
تنوعت العناصر السكانية للمغرب خلال عهد السعديين، فالأتراك
والأوربيون، عملوا بالجيش، أما السودانيون فقد عملوا في القصور والحقول
وأوراش البناء ومعاصر السكر، والأندلسيون عملوا بالتعليم والطب ووظائف
متنوعة، وفي القرى مارسوا الزراعة والغراسة، وقد انقسم المغاربة إلى فئتين:
فئة ذوي الامتيازات، وقد شملت رجال الحكم، رؤساء القبائل، أعيانها
ومشايخها احتكروا التجارة والصناعة، واستفادوا من مجموعة من الامتيازات على
شكل عطاأت وإقطاعات، وفئة عامة، وقد شملت الفلاحين الصغار والعمال في
الفلاحة، مما سيؤدي إلى تمرد القبائل والسكان نتيجة التفاوت الطبقي الكبير
وإثقالهم بالضرائب لاسيما بعد توالي الكوارث الطبيعية مما أدى إلى تضرر هذه
الفئة الاجتماعية الصغيرة، كما لعبت المرأة في المجتمع السعدي عدة أدوار
سواء على المستوى الفكري أو العلمي والاجتماعي (مساجدء مرافق اقتصادية...).
خاتمة
أدت التحولات السياسية بالبحر الأبيض المتوسط خلال القرن 16م
إلى تقوية العثمانيين والسعديين للأجهزة الإدارية والعسكرية، والحفاظ على
الخصوصيات الدينية والاجتماعية لضمان الصمود في وجه المد المسيحي الأيبيري.
إرسال تعليق